بحسب الروايات الإسلامية ، أن محمد نبي الإسلام كان له ست أبناء من زوجته الأولى خديجة بنت خويلد وهم: “ القاسم ، زينب ، رقية ، أم كلثوم ، فاطمة ، عبدالله “ ، أربعة بنات و ولدين .
وتقول الروايات أن “ القاسم وعبد الله ماتوا في مرحلة مبكرة “ ، و الابنتين “ رقية ، و أم كلثوم “ كانتا متزوجتين من أبناء “ أبو لهب ، وهو عم الرسول محمد وكنيته أبو عتبة مات سنة 624 مـ “ ، من ثم انفصلتا عن أزواجهن بعد “ بدء الوحي لمحمد “ ، لإنه “ أبو لهب “ كان أول من جهر بعدائه للإسلام لمّا جهر الرسول بدعوته .
اما فاطمة أصغر بنات محمد ، تزوجت من علي بن أبي طالب ، أبن عم الرسول.
زينب بنت محمد بن عبد الله ، وهي أكبر بنات محمد من زوجته الأولى خديجة بنت خويلد ، ولدت في السنة 600 مـ ، أي قبل بدء ظهور رسالة الإسلام بعشر سنوات ، وتُوفّيت سنة 8 هـ الموافق 629 مـ عن عمر يقارب الـ 29 عامًا ، وكانت متزوجة من ابن خالتها أبو العاص بن الربيع وكان يعمل بالتجارة .
معظم كتب السيرة الإسلامية تجاهلت الحديث عن زينب ، مقارنة بباقي بنات محمد ، واللتان كتبت فيهم كتب و قصص وسرديات لا نهاية لها عكس زينب التي يُختصر ذكرها فقط عن زواجها وولادتها ووفاتها!
لماذا تجاهلت السردية الإسلامية زينب وهي البنت الكبرى لمحمد ؟
ولماذا بقيت زينب مع زوجها رغم أنه لم يؤمن بالإسلام بل وحارب أبيها ؟
ماهي المشكلة ، وقد أحاط التاريخ بعائلة محمد بأصغر التفاصيل عدا زينب ؟
لماذا انفصلتا بنات محمد “ رقية و أم كلثوم “ عن ازواجهن ، ولم تنفصل زينب ؟
في كتاب “ أنساب الأشراف “ للبلاذري “1” ، يروي أن محمد دعا أبنته زينب لتنفصل عن زوجها لأنه لم يؤمن بالإسلام ، فرفضت زينب وبقيت مع زوجها ، وهذه القصة كانت ضربة كبيرة ومن أهم أسباب تجاهل السيرة المحمدية لزينب .
زينب لم تؤمن برسالة الإسلام ،، نعم لم تؤمن بأبيها كـنبي !
بعد هجرة محمد من مكة إلى المدينة ، خرج أبو العاص زوج زينب مع قبيلته قريش محاربًا ضد المسلمين في “معركة بدر” سنة 2 هـ وبقيت زوجته زينب في مكة ، ومع انتهاء الغزوة لصالح المسلمين ، وقع أبو العاص زوج زينب أسيرًا بأيدي المسلمين ، ولما أرسل أهل مكة الأموال في فداء أسراهم ، أرسلت زينب بنت محمد في فداء زوجها أبو العاص لتفكه من أسر أبيها محمد ، “قلادة” كانت لها من أمّها خديجة بنت خويلد ، فتأثر النبي محمد لذلك ، ولحبه لأمها خديجة ، أطلق سراحه وردّوا مالها.
وقد اشترط محمد على أبو العاص لقاء اطلاق سراحه أن يذهب الى مكة ويرسل زوجته لأبيها ، فتعهد أبو العاص بذلك ووفى بوعده لما يُعرف عن القبائل العربية حينها التزامهم بالوعود.
بعد إطلاق سراح زوجها وعند وصوله مكة ، و للعهد الذي قطعه على نفسه ، طلب من زوجته باللحاق بأبيها .
جاءها شقيق زوجها وحملها على بعير له فركبته وهي في هودج ، فخرج بها نهارًا حاملاً قوسه معه يحرسها ، فعلمت بذلك قبيلة قريش ولحقوا بها ، فأخافوها بالرماح وهي في الهودج ، وكانت حاملاً ، فلمّا خافت أسقطت جنينها.
أرسل ابيها محمد لاحقاً سرية لقتل من تعرض لها، وطلب منهم عند الإمساك بهم أن يحرقوهم ، وبعد ذلك أرسل لهم أن يقتلوهم فقط بدون حرق .
بعد انتقال زينب للعيش في المدينة المنورة مع أبيها مرغمة ، بقي زوجها أبو العاص مقيمًا في مكة ، وفي عام 8 هـ سافر أبو العاص كعادته الى الشام بحكم عمله بالتجارة ، وبطريق عودته اعترضته أحد سرايا محمد والذين كانوا يقطعون الطريق على قوافل التجار كعادتهم ، أخذوا ما معه من مال ، وجاؤا به لمحمد .
زينب المُحبة والوفية لزوجها تتحدى بحبها مرة أخرى وتخرج للناس ، وتصرخ بالناس فجرًا ولم تخف من أبيها :
« أيُّها النَّاس ، أبو العاص في جواري.. » .. يعني : أبو العاص تحت حمايتي.
وهذه العادة كانت معروفة عند العرب قبل الإسلام ، أن يقوم شخص بحماية آخر ، فيعلن على الملأ ان لا يجب يُمس فلان بسوء ، لأنه تحت حماية من أحد الوجهاء في المدينة.
فما كان من محمد إلا أن يتركه وشأنه بعد أن وقع في حيرة أمام الناس ، و طلب ممن أغاروا عليه وسلبوا ماله أن يردوا عليه ماله ، ففعلوا ، ثمّ عاد بأمواله كاملة إلى مكة وذهبت زينب معه.
زينب المرأة التي انتصرت على محمد بالحب
تُوفيت زينب في حياة أبيها في عام 8 هـ الموافق 629 ، ويُروى في سبب موتها أنّها مرضت بسبب ما تعرّضت له أثناء هجرتها إلى المدينة المنورة من إسقاط حملها ، فلم يزل بها المرض حتى ماتت.
زينب رفضت الطلاق من زوجها رفضاً قاطعاً عدة مرات ، لحبها و وفائها له ، وماتت على ذلك ، إضافة لذلك تذكر جميع السير الاسلامية أن أبيها جعل لها جنازة ضخمة جداً ، وكانت أول أمرأة تدفن بداخل “تابوت” ، حتى أن أحد من كتب السيرة المحمدية يقول: أن هذه المرة الأولى على غير عادة الدفن عند المسلمين تدفن ابنة النبي في تابوت ، لم يكن يقوم بهذا الأمر سوى المسيحيين في الحبشة .
وللعلم أن “ورقة بن نوفل” أحد علماء الديانة المسيحية حينها ، بحسب المصادر الاسلامية و المسيحية هو ابن عم خديجة أم زينب.
وهنا يبقى سؤالاً يحير الجميع ، هل زينب كانت تدين المسيحية كأمها خديجة ابنة عم ورقة بن نوفل المسيحي ؟وهل إصرارها الشديد على عدم الطلاق من زوجها يأتي من خلفيتها المسيحية ؟مجرد علامة استفهام في سياق الكلام لا أكثر .
فارقت زينب الدنيا بعد أن ضربت مثلاً بليغاً في الوفاء و الإخلاص ، حتى بكاها زوجها بكاء حار، و تشبث بها حتى أبكى من حوله.
هذه القصة تروي لنا عن تحدي العنف بالحب ، وعن المرأة وقدرتها وقوتها .
زينب المرأة التي أحبها ، وهي الوحيدة -في رأيي- النقطة الناصعة في التاريخ الإسلامي كله ، لم تخف ، و دافعت عن حبها وانتصرت بحكمتها ووفائها وتصميمها.
إرسال تعليق