Translate




نعيش في عالم من الجهل المتطرف، ومن باب المعجزة أن تسمع الحقيقة في وسط كل هذا الضجيج ، حتى لو كان الوصول للمعرفة متاحاً، فذلك لا يعني أنه تم الوصول إليها بالفعل.
ورغم أن ذلك الأمر غير مهم مقارنة بأمور أخرى كثيرة، فإنه بالنسبة للمسائل الأكبر التي تنطوي على أهمية سياسية وفلسفية بالنسبة للناس، تأتي المعرفة التي يمتلكها الناس في الغالب من الدين أو التقاليد، أكثر من أي مكان آخر".


الأزهر والرق

الرق في الإسلام ، استمر ولم يحرم أبدًا، إنما بدء تجريمه ومكافحة تجارته بالإكراه تحت ضغوط أوروبية، فبعد ضعفها في القرن 19، وبقوانين محدودة المجال والتأثير، كـ فرمان السلطان محمود الثاني سنة 1830 الذي بمقتضاه تم تحرير العبيد البيض، أصل الضغط كان من روسيا.. واستفاد من الفرمان الشركس و الجورجيين والأرمن.



تدريجيًا حصل تفلتات في بعض ولايات الدولة العثمانية المتهالكة، كانت البداية مع تونس سنة 1846، ووقتها القرار كان مستهجن من المجتمع واعتبره البعض قانون مخالف للشريعة..  يمكن أن نقرأ بشكل مفصل لدى المؤرخ التونسي «أحمد بن أبي ضياف» في كتابه “إتحاف أهل الزمان في أخبار ملوك تونس وعهد الأمان”.

بعدها دخلت مصر بتوقيعها معاهدة “تجريم تجارة العبيد” سنة 1877، وأنشأ الخديوي إسماعيل هيئة رسمية باسم قلم تحرير العبيد، وهذا كان إقليمي خاص بـ الخديوية المصرية التابعة أسميًا للخلافة.

أي ، حتى قبل عام 1877 كان يرفض الأزهر تجريم تجارة الرقيق في مصر والعالم الإسلامي واعتبرها من ثوابت الدين ومن سنن الصحابة والتابعين - إقرأ أكثر ، لكن بعد قرار "الخديوي إسماعيل" بمنع تجارة الرقيق تراجع الأزهر وغيّر خطابه إلى أن تحرير العبيد من مقاصد الشريعة.

قبل انهيارها بحوالي 35 سنة فقط وقعت الدولة العثمانية مجبرة على قانون مؤتمر بروكسل الصادر سنة 1890 لتجريم ومناهضة تجارة الرقيق.




ويقول المؤرخ الدكتور محمد فؤاد شكري في كتابه المهم "مصر والسودان"، إن إنجلترا التي أصرت على قيام الخديوي إسماعيل بتحرير معاهدة منع الرقيق في عام 1877 ، كما أصرت على وضع بنود منها أن تنتهي تجارة العبيد في مصر لمدة 3 سنوات بعد المعاهدة، ومنعها في السودان لمدة 12 سنة، لافتًا أن إنجلترا قدمت هذه العروض بعد اعترافها بأملاك مصر في السودان والصومال وإريتريا وأجزاء من أوغندا والحبشة.







الأزهر وتعليم المرأة

كذلك ، حتى عام 1930 رفض "الأزهر" حق المرأة في التعليم الجامعي وكانت نسبة الأمية بين الإناث 100%.
إلى أن نص دستور 1923 في مادته رقم 19 على «التعليم الأولي إلزامياً للمصريين من بنين وبنات ، وهو مجاني في المكاتب العامة، وكان ذلك أول اعتراف رسمي في مصر بحق النساء في التعليم.»

وجاءت نهاية العشرينيات وتحديدًا العام 1929 بتقدم جديد في طريق النضال من أجل انتزاع حق النساء في التعليم، إذ التحقت أول دفعة من الفتيات بالجامعة المصرية (جامعة فؤاد الأول – جامعة القاهرة)، وكنّ خمس فقط؛ سهير القلماوي، نعيمة الأيوبي، فاطمة سالم، فاطمة فهمي، زهيرة عبد العزيز، وقد دعم هذه الخطوة عميد الأدب العربي طه حسين، تقلد منصب عميد كلية الاَداب بعد عام واحد من التحاقهن بالجامعة.

فبّدل الأزهر موقفه بعد ذلك ، إلى أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة!





الأزهر وختان الإناث!

لم يقل أي من الفقهاء بأن الخفض حرام أو مكروه تحريمًا أو تنزيهًا. وله مشروعية وجواز في الجملة عند الجميع.
 اختلف عُلماء الفقه والمذاهب المُختلفة في حكم الخفاض بين من يوجبه ومَن يستحبه، ومَن يقول: إنه مجرد مكرمة للمرأة.
 فعند الأحناف مكرمة، وعند المالكيَّة مندوب، وعند الشافعيَّة واجب، وعند الحنابلة مكرمة غير واجب، وعند الإباضية مكرمة غير واجب.
ومن الأقوال المعروفة عن مفتي الأزهر الإمام جاد الحق علي جاد الحق: «أن ختان البنات من سُنن الإسلام وطريقته لا ينبغي إهمالها، بل يجب الحرص على ختانهنَّ بالطريقة والوصف الذي علمه رسول الله لأم حبيبة، وينبغي البعد عن الخاتنات اللاتي لا يُحسنَّ هذا العمل. وقد وكَّل الله أمر الصغار إلى آبائهم وأولياء أمورهم. فمن أعرض عنه كان مضيعًا للأمانة التي وُكِّلت إليه».

حتى عام 1996 كان الأزهر يرفض تجريم ختان الإناث باعتباره سنه إسلامية ، و عفه وطهاره للمرأة ، لكن بعد انضمام مصر للاتفاقية العالمية لحقوق الطفل والتي أدانت ختان الإناث... تراجع الأزهر من جديد ، وأصبح الخطاب بأن الختان عادة ولا صلة لها بالشرع !



الأزهر والخلع / التفريق

حتى بدايات عام 2000 رفض مفتي الديار المصرية التوقيع على قانون الخلع، لكن بعد إقالته واعتماد القانون تراجع الأزهر واكتشفنا أن أول قضية خلع كانت إسلامية وقام بها الرسول بنفسه!
حيث قام البرلمان في يناير/كانون الثاني 2000 بتنقيح قانون الأحوال الشخصية لكي يوفر للنساء إمكانية طلب الطلاق من أزواجهن من غير إثبات إساءة معاملتهن من الأزواج.
وصدر القانون رقم "1" لسنة 2000 الذي ركز على وضع بعض الآليات لمعالجة مشكلة بطء الإجراءات التي كان يعاني منها الكثير من النساء والأسر في مسائل الأحوال الشخصية.


الأزهر و تحريم الحنفية / الصنبور!

عقب إتمام محمد علي باشا بناء مسجده الشهير بالقلعة أراد نقل كل حديث من أوربا الي مصر ومن ضمنها اختراع جديد اسمه "الصنبور" لتسهيل عملية الوضوء، وتعتمد فكرته على نقل المياه من منبع ما أو خزان عبر الأنابيب، والصنبور ما هو إلا جهاز لضبط وقت نزول المياه من المنبع وعندما يغلق الصنبور تبقى المياه في الخزان مما يسمح بتوفيرها لوقت لاحق.

سبب هذا الاختراع كارثة بالنسبة لطائفة السقا / السقايين فمع الاختراع الجديد سيتم ادخار المياه ومن ثم الاستغناء عن السقا وعدم الحاجة إليه.

لجأ السقا إلى الأزهر لتحريم ذلك الاختراع وبالفعل اجتمعت المذاهب الثلاثة على تحريم ذلك الاختراع، وقالوا إن الوضوء يجب أن يكون من ماء جاري وبقاء الماء في منبع ما يدخل من ضمن الماء الأسن، وأن السلف الصالح لم يستخدموا ذلك الاختراع إذن فهو بدعة!

مذهب واحد هو من أيّد فكرة الاختراع وهو "المذهب الحنفي" الذي رأى تيسير الاختراع لعملية الوضوء على الناس، ومن هنا أسمى المصريون الاختراع الجديد بالحنفية تيمنا بالمذهب الحنفي.


الأزهر والطابعة!

أصدر السلطان العثماني بايزيد الثاني فرماناً يحرم الطباعة على رعاياه المسلمين.
و أصدر "علماء الأزهر" فتوى بتحريم طباعة الكتب الشرعية، بدعوى كونها تحرف العلوم.
وإلى ذلك ذهبت فتاوى فردية، ومنها فتوى الفقيه المغربي محمد بن إبراهيم السباعي، الذي خط وثيقة سماها “رسالة في الترغيب في المؤلفات الخطية، والتحذير من الكتب المطبوعة، وبيان أنها سبب في تقليل الهمم وهدم حفظ العلم ونسيانه”.

أُصدرت أول مطبعة بإسطنبول بعد قرنين ونصف عن صدور فرمان تحريمها. وكان وراءها المجري إبراهيم متفرقة، الذي استطاع استصدار فتوى من "شيخ الإسلام" وأمراً جديداً من السلطان أحمد الثالث بجواز طباعة الكتب. غير أنه بعد ثلاث سنوات من ذلك، أُحرقت مطابع متفرقة في خضم ثورة الضابط خليل باتروني التي انتهت بعزل السلطان.




القهوة حرام!

سنة 1572 أصدر شيخ المذهب الشافعي فتوى بتحريم شرب القهوة ، وانطلق الرعاع يدمرون المقاهى تطبيقاً لـ "شرع الله" ، ثم صدرت فتوى بتكفير شارب القهوة وحاملها، وانطلق العسس يبحثون عن الكفرة ممن يشربون القهوة ليحطموا الأواني ويصادروا البن و يسجنوا "الكافر".
حدث صراع بين أنصار القهوة وأنصار الإسلام ، انتهت بمقتل 2 من أنصار القهوة ، بسبب فتوى الشيخ أحمد السنباطي يختبئ الشيخ ورجاله فى المسجد ويحاصره أهل القتلى طلباً للثأر ويقدموا قهوة سادة فى العزاء ، ومن يومها أصبح تقديم القهوة في المياتم "سُنة مستحبة" ، وأخيراً يأمر السلطان العثماني مفتي القسطنطينية بالسماح بشرب القهوة.

وكان من أبرز الفقهاء المفتين بحرمتها شيخ الإسلام يونس العيثاوي الدمشقي (المتوفى العام 1496)، والشيخ الكازروني الذي ألّف رسالة في تحريمها، ومكي بن الزبير العدوي الذي ألف "قمع الإمارة بالسوء عن الشهوة: بيان حرام شرب القهوة"، وحسن بن كثير الحضرمي المكي الذي ألف "قمع الشهوة عن شرب القهوة"، ومحمد القطان الشافعي خطيب المدينة المنورة الذي ألف "زلة القدم والهفوة ممن يتعاطى شرب القهوة".


ولا ننسى علماء نجد عام 1930 عندما حاولوا منع إضافة اللغات والجغرافية للتعليم والراديو ، ظناً منهم أن الصوت في الراديو ينقله الشيطان ، وأن الجغرافيا تخالف الشريعة لأنها تتحدث عن كروية الأرض!


تحت بند «سد الذرائع» ظهرت فتاوى شغلت الناس أو بالأصح شغلوا الناس بها مع كل اختراع إلكتروني أو كهربائي يظهر، فمنها في الأربعينيات انطلقت فتوى تحريم الراديو، وصدرت عدة فتاوى وليست فتوى واحدة تحرم وبشكل قطعي فالشيطان يأتي عبر الراديو كما وصف أحدهم، وفي الخمسينيات ظهرت فتاوى تحرم الفونوغراف أو مشغل الأسطوانات «البشتختة» وشمل التحريم على ما أظن المسجل أيضاً وهو ما ينسحب على أشرطة الكاسيت، بعدها في الستينيات ومع انطلاقة البث التلفزيوني وتماشيا مع «سد الذرائع» حرم التلفزيون وجاءت الفتاوى كسلسلة انشطارية لا تكاد تتوقف فتم أولا تحريم اقتناء التلفزيون ومعها تحريم بيعه ومشاهدته، وفي الثمانينيات ومع ظهور الفيديو تم تحريمه تحريماً قطعياً وجرى عليه ما جرى على التلفزيون، وفي التسعينيات تم تحريم «الستالايت» ولا أعتقد أن أحدا ينسى جماعات «تحطيم الستالايت»، ومع بداية الألفية الثالثة حرم الإنترنت، وكان ذلك تحت عذر «سد الذرائع»، وبالمناسبة لمن لا يعلم هناك فتاوى رسمية صادرة من مشايخ لهم ثقلهم أفتوا بحرمة «البلاي ستيشن» وأعتقد أن حكمها يسري على لعبة «الوي» وكذلك «الأكس بوكس» والعاب الهاتف النقال أعتقد أنها لن تسلم من التحريم.

ومن يتابع تسلسل وتتابع فتاوى تحريم المخترعات الجديدة يجد أنها تتجدد كل عشر سنوات، ويظهر كل أزهري ومعه أدلته مع ظهور كل ابتكار علمي حديث.


يحضرني دائماً من نُسب من قول لـ "محمود محمد طه": سيأتي زمان تُوضع فيه على باب الأزهر خشبة مكتوب عليها (هنا كان يدرس الجهل)!

أكتب تعليق

أحدث أقدم