لا أقول ان أمريكا بلد ملائكي، فقد ارتكبت الكثير من الجرائم في المنطقة، ولا يمكن لعاقل إنكار ذلك، لكن سأتحدث عن المنطق في قياس الامور، بالمقارنة مع روسيا، فقد منحتنا أمريكا التكنولوجيا والعلم والموسيقى والفنون والسينما وجمال الذائقة، وليس فقط السلاح كما روسيا، ومنحتنا أيضاً الفيسبوك و تويتر ويوتيوب التي نستخدمها لترويج أفكارنا ومعتقداتنا وإبداعاتنا والدفاع عن قضايانا وحقوقنا، ونستخدمها حتى للتعبير عن كراهيتنا لأمريكا نفسها وتجنيد المجانين لضربها وتدمير حضارتها، وهي قبل كل شيء بلد ديموقراطي يتمتع بحد معين من الأخلاقيات وقوة القانون والعدل، الذي يمكن أن يودي بجندي أمريكي أرتكب جريمة في الخارج تحت علم بلاده إلى السجن، وتحيل رئيسها المنتخب للمحاكمة، فضلاً عن إنها تضم أهم المنظمات الإغاثية التي تنقذ المسلمين والعرب من أبناء جلدتهم أتباع الروس، ومنظمات حقوق الإنسان التي ترصد الإنتهاكات في بلادنا والعالم، وتنتقد وتدين وطنها الأم لأنه يغض النظر عن هذه الإنتهاكات.
وبعد كل ذلك نسأل، لماذا لا يمكننا إيجاد روابط وقيم مشتركة مع أمريكا أكثر من روسيا؟
أعرف أن كلامي هذا لن يلقى قبولاً، وسيحال إلى نفس الإسقاطات المعتادة، لكن لا يهم، فلقد سمعت ذات الكلام عندما كنت انبه من خطر أسلمة الثورة السورية، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.
ماذا فعلت روسيا؟
- من صدام حسين لمعمّر القذافي إلى علي عبدالله صالح و حافظ الأسد وأبنه بشار، والى لكل الديكتاتوريين التاريخيين في المنطقة الذين قَتلوا الملايين من شعوبهم. من هو ربيب هذه الأنظمة وراعيها وحاميها؟
الجواب: الإتحاد السوفياتي وابنته روسيا.
- من أول من إعترف بإسرائيل، وصدّر لها الملايين من اليهود لتغيير ديموغرافية فلسطين؟
الجواب: روسيا
- ما أصول أعتى القادة الإسرائيليين وأكثرهم توحشاً وإجراماً بحق الشعب الفلسطيني والعرب؟
الجواب: روسيا
- من الذي قتل الملايين من المسلمين في القوقاز والأناضول وأفغانستان؟
الجواب: روسيا
- من الذي حارب المسلمين وأجبرهم على الشيوعية في الماضي، ويدعم ما تقوم به الصين ضد ملايين المسلميين الإيغور اليوم؟
الجواب: روسيا
- من الذي لم يصدّر لمنطقتنا سوى الأسلحة وثقافة الموت والسجون والمعتقلات؟ أيضاً: روسيا
- من الذي وقف ضد حراك الربيع العربي وتطلعات الشعوب، بالسلاح وحَمى الديكتاتوريين في مجلس الأمن ؟
روسيا
- من الذي دمّر وقتل وهجّر السوريين ومنع إسقاط القاتل بشار الأسد وصد عنه قرارات مجلس الأمن بالفيتو ، ودعمه منذ 2013 بالعدة والعتاد وسياسياً واقتصادياً؟
روسيا
السؤال الآن، بالمقارنة، لماذا العرب والمسلمين يكرهوا أمريكا أكثر من روسيا؟
- لماذا حتى إجرام روسيا يحيلونه إلى أمريكا ويقولون أنها هي من تقف خلفه في الخفاء؟
- لماذا أغلب القومجيين العرب والأحزاب واليسار العربي (التقدمي) يأيدوا روسيا ضد أمريكا؟
- لماذا أغلب الإسلاميين يعتبروا أمريكا عدوة دينهم وليست روسيا، ويجندون الإرهابيين للإعتداء عليها وعلى الغرب، ولم نرهم "يجاهدون" مرة في روسيا نبع الشر والكراهية ضد الإسلام والمسلمين؟ في حين يعيش المسلمون في أمريكا والغرب حرية دينية لا يحلمون بها حتى في البلاد الإسلامية؟!
أجوبة العرب والمسلمين على هذه التساؤلات غالباً تتمحور حول عقدة النقص، ليس لأن أمريكا أجرمت أكثر في منطقتنا، فلو كان الأمر كذلك لكانت روسيا أولى بالكراهية، لكن الجواب ببساطة هي عقدة نقص الضعيف تجاه القوي، ولإن أمريكا هي المشروع الحضاري المنافس لأحلامهم الأممية..
العرب والمسلمون يغارون من أمريكا لإنهم يرون مكانتها مستحقة لحلم دولة الخلافة، ولأن مشروع التفوق الأمريكي الحضاري يعري حلمهم بالكامل، ويكشف إمكانية قيام دولة عظيمة وعادلة بالعلمانية والقانون الوضعي من دون دين وشريعة سماوية، وإذا خيّروا بقوة عالمية مسيطرة ليست لهم، فبالتأكيد يفضلون النموذج السوفياتي القائم على التغلّب والقوة القهرية للشعوب، بما يماثل أسلوب شريعتهم.
والروس بدورهم يغارون أيضاً من سيطرة المشروع الأمريكي على العالم على كافة الصعد، ويتمنونها لأنفسهم.
هذه النظرة تجاه أمريكا يتشارك فيها العرب والمسلمون مع الروس، ولهذا يفضلونها.... تحديداً لأنها تتحدى أمريكا وتطمح لهزيمة مشروعها..!!
حلقة مهمة للكاتب الصحفي «مجدي خليل» ، بعنوان: "لماذا يكره العرب أمريكا" ؟
شاهد:
إرسال تعليق